إنّ الثقافة هي السلاح الرئيسي لكلّ الناس، فبالثقافة يرتقي الإنسان بنفسه إلى الدرجات العالية، وبالثقافة يكتمل العقل وترتقي الأمم، فقد أعطانا الله تعالى نعمة العقل لنكون مميزين عن باقي المخلوقات بها، ولكي يكون لنا الاختيار، ولكنّ العقل لا يكتمل إلّا بالثقافة التي تساعده على التفكير السليم، فمن دون الثقافة يعود الإنسان إلى أصوله التي كان عليها في العصر الحجري، والتي لا يختلف بها عن أيّ طفلٍ حديث الولادة لا يميز أيّ شعورٍ في الدنيا، فيصبح الإنسان عبداً لقلبه وشهواته، ولهذا فعلى الإنسان أن يسلح نفسه بالثقافة، والإنسان لا يحتاج إلى من يثقفه، فلا يستطيع أيّ شخصٍ زرع الثقافة فيك غيرك أنت وحبك الشديد للمعرفة، ولكن وقبل أن تقبل على المعرفة فعليك أن تعرف الأمر الذي تريد استخدام ثقافتك فيه، وأن تطور نفسك عبر هذه الثقافة بشكلٍ مستمر، فالثقافة التي لا تكون مصاحبةً للفكر هي ثقافةٌ وهميةٌ لا فائدة ترجى منها.
ثقف نفسكلكي تستطيع تثقيف نفسك فإنّ أولّ ما يجب عليك فعله هو القراءة، فالقراءة هي السلاح الأول والتي لا يمكن للإنسان أن يتثقف من دونها، فمهما تعددت المصادر المختلفة للحصول على المعلومات فإنّ الكتاب يبقى المصدر الأولّ من دون منازع، فالكتاب هو صديق الثقافة والسبب الرئيسي وراء وجودها في المجتمع والمصدر الأول والأخير لها، فقد تكسبك المصادر المختلفة الموجودة حالياً معلوماتٍ مختلفة، إلّا أنّها لن تولد لديك الفكر الذي يجب أن يصاحب المثقف، ولن تقوم بإعطائك المعلومة بشكلٍ كافٍ، وكما أنّه عليك انتقاء الكتب كما تنتقي أطايب الطعام، فالشخص العاقل لا يأكل إلّا ما يفيد جسده ويكون لذيذ المذاق في الوقت ذاته، وهكذا عليك انتقاء الكتب، فلا تشغل نفسك بالكتب التافهة العقيمة والتي أصبحت حديث الناس في هذه الأيام، بل ابحث عن تلك الكتب التي تكون كالكنز عند قراءتها، وكما أنّ الشخص الشره ينتقي الطعام من جميع أقطار العالم، فإنّ الشخص الباحث عن الثقافة عليه أن يكون شرهاً للثقافة يحصل عليها من أيّ مكانٍ ويقرأ الكتب من كلّ الأصناف التي تفيده، فلا يقف على قراءة كتب الدين فقط على سبيل المثال، فبالرغم من أهمية كتب الدين إلّا أنّها لا يجب أن تطغى على الإطلاق على الكتب الأخرى، فالمسلمون عندما ارتقوا بنفسهم في السابق لم يرتقوا بقراءة كتب الدين التي لم تكن موجودةً أصلاً، بل كان علماء المسلمون الأوائل يقرؤون الكتب في شتى المجالات كالفلسفة والتاريخ والجغرافيا والعلوم وغيرها، فمن يبحث عن الثقافة يقرأ كتباً أخرى من شتى الأصناف والأنواع والتي قد تكون أكثر فائدةً للفكر من كتب الدين، والمراجع، والكتب الأخرى التي يهتم بها الناس في هذه الأيام.
وأمّا الأمر الآخر فهو محيطك، فيظنّ الكثير من الناس في هذه الأيام أنّه يستطيع فرض أفكاره، أو التأثير على المجتمع بأكمله بمجرد قراءته لبعض الكتب وتشربه لجزءٍ صغيرٍ من مناهج بعض العظماء في التاريخ، والذي يكون في العادة تشرباً سطحياً، فيخرج هذا الشخص إلى المجتمع لينشر أفكاره الهدامة ويصرّ عليها بطريقةٍ همجيّةٍ بعيدةٍ كلّ البعد عن السلوك الإنساني الفطري قبل الحضاري، فالباحث عن المعرفة يعلم أنّه مهما قرأ من الكتب وتشرب من الثقافة سيبقى جاهلاً ينقصه العلم الكثير المتشتت في أنحاء العالم، فعلى الشخص الباحث عن الثقافة أن يحيط نفسه بالمثقفين الصحيحين قبل محاولة التأثير على الناس، وأن يتقنّ فنّ الحديث أيضاً وأن يكون صاحب فكرٍ وليس مالكاً للمعلومات فقط، وعليك أن تعرف دائماً أن أكثر ما يميز المثقف هو أخلاقه، فإن لم توصلك الثقافة إلى قيمة الأخلاق وتحسن من سلوكك فهي ثقافةٌ لا فائدة منها.
المقالات المتعلقة بكيف أثقف نفسي بنفسي